رابعاً: لقد وضع الشرع علامات وأمارات يعرف بها الحق من الباطل، وإن من علامات الحق حب أهل الإيمان له وبغض أهل الكفر والنفاق له، وإن من علامات الباطل بغض أهل الإيمان له وحب أهل الكفر له ،قال تعالى:" ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزَّل عليكم من خير من ربكم"(البقرة 105)، وقال تعالى:" يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيَّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون" "(آل عمران 118)، وإن من المشاهد بالحس والواقع أن الكفار يفرحون كلما انكشف شيء من جسد المسلمة الطاهرة، وها هو سلفهم اليهودي الهالك يكشف سوأة امرأة مسلمة غدراً وخسةً وخيانةً في سوق بني قينقاع فتقوم لهم سيوف الحق مشرعةً حتى جلاء آخر كلبٍ من كلابهم، ولئن كانت يهود ولا زالت تستعمل الخسة والحيلة في هتك عورة المسلمة فما بال بعض بني جلدتنا يأبى إلا أن يفعل ذلك جهاراً نهاراً؟ وما بال بعض بني جلدتنا يفرحه ما يفرحه الكفار ويسوؤه ما يسوؤهم؟
خامساً: إن من يتعبد لله تعالى باجتهاد سائغٍ كاستنباط وجوب تغطية الوجه من جملة نصوص الكتاب والسنة يعتبر هتك هذا الستر هتكاً لعرضه، وعليه فإني أحذر كل من يستطيل بفكره أو بسوء ظنه أو بلسانه أو بجارحته على أعراض المؤمنات والمؤمنين، فيغمزهن أو يلمزهن أو يسفه من تعبدهن لله تعالى بذلك، ولست أحذرهم بمحض رأيي وإنما لي قوله تعالى :" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً"(الأحزاب 58)، وقالت عائشة رضي الله عنها حين سألها مسروق عن حسان بن ثابت – وقد كان من الذي تكلموا في الإفك وتابوا – قال لها : لم تأذنين له يدخل عليك وقد قال الله :" والذي تولى كِبره منهم له عذابٌ عظيم"(النور 11)، فقالت:" فأي عذاب أشد من العمى إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"(صحيح مسلم)، فها هي فقيهة الأمة ترى أن إصابة حسان رضي الله عنه بالعمى كان نوع عقوبة لما اقترفه من حديث الإفك، فتنبهوا يا من تنكرون على من يغطين وجوههن، فقد كانت عائشة بنت الصديق ممن تغطي وجهها كما ذكرنا في قصة الإفك، وإن اللواتي يغطين وجوههن عن الأجانب اليوم إنما يأتمرن بأمر الله ويقتدين بزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد قُذفت عائشة رضي الله عنها وأرضاها بالفاحشة فلم يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمار وجهها، وتخلفت عن الجيش حين ظنوا أنها في الهودج فلم يتهم تخفيها عن الناس واستتارها عن الأجانب في هودجها، فتأملوا واحذروا أن يصيبكم ما أصاب حسان، وما يدريكم أن توفقوا للتوبة كحسان رضي الله عنه وأرضاه..
سادساً: ألم يجد هؤلاء غير منكر تغطية الوجه بزعمهم لينكروا عليه، أم لعلهم لا يريدون الإخلال بأمن الدولة والمجتمع بأمر السافرات الكاسيات العاريات بالحجاب والستر، ويريدون كشف وجه كل مسلمة حتى يستطيع أتباع إبليس طلاءه بعد ذلك بشتى أنواع الحماقات والدهانات والأصبغة فيتفرج عليهن إبليس وأعوانه ويضحكون من أشكال الدمى التي تتحول إليها بنات المسلمين كل يوم، أين أنتم يا أصحاب فقه الأولويات وفقه الواقع وفقه الاختلاف وفقه كل شيء، أين أنتم؟
أيها الحانقون على نساء الإسلام، أيها المرجفون في كل مكان، ألا فلتكفوا عن نسائنا ولتكفوا عن خمار نسائنا، ولتكفوا عن نقاب نسائنا، ولتعلموا أنكم لو أرجفتم بشبهات أهل الباطل أجمع لما تخلينا عن ستر نسائنا وخمار نسائنا أو تنقطع أعناقنا دون ذلك بإذن الله تعالى، وأما من يتشدق بالإنكار على من تستر وجهها فلينشغل بنفسه أو بالإنكار على من تكشف نحرها وصدرها وفخذها وجسدها فإنهن كُثُر والخطر منهن على الأمة عظيم، وإن أبيتم إلا هتك ستر العواتق وذوات الخدور، فإن لنا على المبالغة في التحفظ والستر :"وقرن في بيوتكن "(الأحزاب33) ولا شيء لكم على المبالغة في إرضاء إبليس، وعسى الله أن لا يميتكم حتى يريكم وجوه المومسات، تلك كانت دعوة أم جريج في ساعة غضب كما صح الحديث، ونحن ندعوها في ساعة غضب لأعراضنا، ولكنه غضبٌ لن ينطفئ حتى تكفوا أو يرينا الله تعالى فيكم ما يريد، وإن من بيننا وبينكم الجنائز، والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون...