تساؤلات كثيرة تطرح إثر انتشار أي خبر عن مقتل واغتصاب فتاة ملتزمة ومتحجبة،
مما يدفع بالبعض إلى إطلاق أبواقهم طارحين علامات استفهام حول الحجاب والاحتشام
ودورهما في منع وقوع الجريمة، مجددين مطالبتهم بخلع الحجاب على اعتبار أن
"الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة
الضغط يولّد الانفجار، وحجاب المرأة يغطي جمالها، وبالتالي فإن الشباب يظلون في
كبت جنسي يكاد أن ينفجر أحياناً على شكل حوادث الاغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه
المشكلة إنما يكمن في تحرير المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي
فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقل طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب
الكبت والاختناق".
قبل الرد على هذه الادعاءات من المفيد الإشارة إلى أن الاحتشام هو عامل من
العوامل المساعدة على عدم وقوع جريمة الاغتصاب، ولكن الجريمة بحد ذاتها لا
تتعلق بالمجني عليه وتصرفاته وحدهما، فهما قد يكونان عاملين مساعدين على وقوع
الجريمة ولكنهما ليسا الوحيدين الفاعلين في هذا المجال، والدليل على ذلك أن
هناك حالات اغتصاب سجّلت بين صفوف الأطفال بل وحتى الرضع، إضافة إلى وجود حالات
أخرى سجلت بين العجزة وكبار السن مما يعني أن عنصر الإثارة ليس موجوداً في
الضحية، وإنما واقعة الاغتصاب حدثت لأسباب أخرى.
كما أنه لا بد من التأكيد على أن الفتاة مهما بلغت درجة انفتاحها وتحررها لا
يمكن أن تقبل بأن تغتصب، صحيح أنها يمكن أن تقبل ببعض الممارسات غير الشرعية
ولكنها على الإطلاق لا تقبل الأذى لنفسها، والمعلوم بأن الأذى الذي يتسبب به
الاغتصاب لا تغيب آثاره طوال العمر وقد يدمر حياة المرأة متزوجة كانت أم لا.
إلا أن هذا لا يعني نفي دور السفور والعري والتصرفات الخاطئة في حدوث هذه
الجريمة بالذات، فالفتاة التي ترتدي الثياب الكاشفة، المثيرة للمفاتن تحت شعار
التحرر واتباع الموضة، وتحت حجة أنها ترتدي ثيابها لنفسها، ولكي لا تبدو مختلفة
عن زميلاتها، وتحت حجة أنها لا تـقصد بفعلها إغراء الشاب ليفعل الفاحشة بها،
ولكنها تفعل ذلك ليعجب بلباسها ويقول بأنها امرأة متحررة معاصرة، لم تتساءل عن
الآثار التي تتركها مثل هذه الملابس على الرجال الذين يرون هذه العري الرخيص
بشكل متكرر أمام أعينهم، فإذا كانت الفتاة ترى في ذلك حقاً في ممارسة حريتها،
فإن نظرة الرجل تختلف تماماً عن نظرتها، إذ يجد في هذا اللباس دليلاً لتحررها
من كل القيود، كما يجد فيه دعوة للاستفادة من هذا التحرر، ولهذا فكثيرًا ما
يحاول المحامون المدافعون عن الجاني التركيز على لباس المرأة أثناء المحاكمة من
أجل إلقاء اللوم عليها ورفع المسؤولية عن الجاني.
من هنا فإن ارتداء النساء للباس الفاضح يعتبر عاملاً مباشراً وأساسياً لتعرض
المرأة للاغتصاب، فإذا أضفنا إلى هذا العامل العوامل غير المباشرة مثل الضائقة
الاقتصادية التي تقف وراء عجز كثير من الشباب عن الزواج وتكوين الأسر، ومثل
الانفلات الإعلامي الذي يركز على مفاتن المرأة من أجل إثارة المشاهد وجذبه
للجلوس أمام الشاشة، يمكن تقدير عندئذ الأسباب التي تمنع الرجال أحيانًا من
التفريق بين المرأة المحجبة وغيرها، فالمرأة بالنسبة إليهم مجرد جسد، والرجل
هنا إنسان مريض ينظر إلى النساء جميعاً نظرة متساوية، فهو يراهم جميعاً في صورة
فلانة من الممثلات أو علانة من المذيعات.
إضافة إلى ما ورد لا ينبغي إغفال الوضع الذي يكون فيه اغتصاب المرأة المحجبة
فعلاً مقصودًا كما في حال الحروب التي تخاض ضد المسلمين في كل مكان، فلقد
اغتصبت المرأة المحجبة في البوسنة والهرسك سابقاً، وتغتصب المرأة المحجبة في
فلسطين والعراق اليوم، فالحجاب في مثل هذه الحالات يشكل حافزاً للمجرم كي يفجر
جام غضبه على المرأة، ليس فقط لكونها امرأة ولكن خصيصاً لكونها محجبة وذلك بهدف
إذلالها وإذلال الدين الذي تمثله.
هذا في حالات الحروب، أما في الأوضاع العادية وفي غياب الأسباب الفردية المرضية
التي قد يعاني منها المغتصِب، فإن الدراسات تشير إلى الدور الفعال الذي يقوم به
الحجاب في منع حدوث الاغتصاب، أو على الأقل في التخفيف من نسبة تواجده، ومن هذه
الدراسات نذكر رسالة ماجستير أعدت في جامعة الأزهر في القاهرة بيّن فيها الباحث
أن انتشار العري في الشارع المصري والإسلامي هو سبب أساس ورئيس في زيادة حالات
الاغتصاب، كما أشار الباحث في رسالته إلى عدم وقوع جريمة اغتصاب لأية سيدة
محجبة.
ومنها أيضًا بحث نشرته شرطة مانشستر في بريطانيا دعا فيه مؤلفه إلى ضرورة إزالة
دواعي الاغتصاب ولا سيما الملابس التي ترتديها المرأة سواء كانت طفلة أو فتاة
وطريقة ارتدائها لها، بل وصل المؤلف "إلى حد لوم المرأة على الخلاعة والكشف على
المفاتن إلى الحد الذي يثير الشباب الصعاليك والمهووسين جنسيًا ويقول المؤلف
إنه إذا اقتربت المرأة أو الفتاة من الحجاب، فلن يلهث وراءها أحد وإلا فالمرأة
أو الطفلة هي الملومة أولاً وأخيراً على ما يحدث لها".
وأخيرًا، لا بد من التنبيه إلى الحملات الشرسة التي تشن ضد حجاب المرأة
المسلمة، والتي يستغل فيها الأعداء أية حادثة حتى ولو كانت فردية من أجل شن
الهجوم ضد الحجاب، فإذا صح أن الحجاب لا يحمي من الاغتصاب فلماذا هذه النسب
المتزايدة من حالات الاغتصاب في الدول الغربية ؟ فهل نترك الأرقام الكبيرة
ونلتفت لحوادث فردية نادرة!!! الإجابة عن هذه الأسئلة نتركها للدراسات التي
تصدر عن الدول التي لا ينتشر فيها الحجاب، ومن بينها كتاب " الجريمة في أمريكا
" الذي ورد فيه أن جريمة اغتصاب بالقوة تتم كل ستة دقائق في أمريكا.