يشكل الانتقال من مرحلة العزوبية إلى مؤسسة الزواج تحولا مهما في حياة المرأة والرجل، والاستعداد للدخول في المرحلة الجديدة لا يجب أن يقتصر على الجوانب الشكلية والمظهرية، وإنما يتطلب اشتغالا عميقا على الذات وتفكيرا في الأمور الحياتية التي تتطلبها الحياة الزوجية، واهتماما بالجانب الصحي والنفسي.
وتؤكد الدكتورة لولوة يعقوب، الاختصاصية في أمراض النساء والولادة، أن تنصيص القانون على الإدلاء بشهادة طبية ضمن وثائق الزواج يكتسي جانبا ايجابيا، لأنه يفرض على المقبلين على الزواج القيام باستشارة طبية تكون مناسبة للحديث مع الزوج والزوجة عن بعض القضايا الصحية المهمة في الحياة الزوجية، والتي غالبا ما يتم إهمالها أو تأجيل الحديث فيها إلى ما بعد حفل الزفاف.
وتتجلى ضرورة الفحص الطبي قبل الزواج في أنه يمكن من تفادي العديد من المشاكل التي يمكن أن تعترض الحياة الزوجية في بدايتها، ويتيح إمكانية الكشف عن بعض الأمراض التي يمكن أن تؤثر على الصحة الإنجابية وعلى السلامة الجسدية للزوجين.
وتبين الدكتورة لولوة يعقوب أن الفحص الطبي للمقبلين على الزواج يجب أن يشمل عدة جوانب مرتبطة بالكشف عن مدى الإصابة ببعض الأمراض الوراثية أو المعدية وخاصة الأمراض المتنقلة غير مسموحيا كالسيفيليس الذي يمكن علاجه إذا اكتشف في مراحله الأولى، وبعض الأمراض الخطيرة كالايدز التي تفرض اتباع قواعد الوقاية والحرص على عدم تنقل العدوى.
ويكون الفحص الطبي أيضا فرصة لإثارة موضوع التخطيط العائلي، وشرح كل الجوانب المتعلقة بالخصوبة، حيث يوضح الطبيب للزوجين أن إمكانية حدوث الحمل تكون واردة منذ اللقاء الغير مسموحي الأول، وفي حالة الرغبة في تأخير الحمل إلى وقت لاحق، فالطبيب يصف وسيلة منع الحمل الملائمة ويحتكم في ذلك إلى السوابق الصحية للمرأة ليختار بين وصف حبوب منع الحمل أو العازل الطبي.
والاستعداد للحمل يبدأ قبل الزواج وتوضح د. لولوة أن بعض الأزواج ينتابهم تخوف من حدوث مشكلة في الخصوبة، بسبب عدم معرفتهم بهذه الأمور، ويمكن للطبيب أن يطمئنهم خلال الفحص، ويوضح لهم الإمكانيات المتاحة لحدوث الحمل، ويثير انتباههم للمشاكل التي يمكن أن يبدأ بالنسبة للمرأة قبل الدخول في العلاقة الزوجية، ولذلك يطلب منها الطبيب في الفحص الطبي أن تجري بعض الاختبارات اللازمة لاتخاذ احتياطات تحول دون تعرضها لمشاكل ومضاعفات أثناء الحمل.
وتتمثل هذه الاختيارات أولا في معرفة الفصيلة الدموية للمرأة، لأنه في الحالة التي تحمل فيه فصيلة دموية سالبة، فهي تحتاج للقيام ببعض التدابير الطبية أثناء الحمل والولادة لتحمي جنينها من التعرض لبعض الأخطار.
وتضيف الدكتورة أن هناك أمراضا مرتبطة بالحمل، قد تكون المرأة عرضة للإصابة بها، والتي يمكن أن تهدد الحمل وتؤثر على سلامة الجنين، وتتمثل خصوصا في مرض التوكسوبلاسموس وداء الحميراء، وهما إصابتان يمكن أن تحدثا عند المرأة في أي وقت في حالة تعرضها للعدوى، ويمكن أن تمر الإصابة بدون أعراض، لكن إذا كانت المرأة غير محصنة ضد هاتين الإصابتين وتعرضت للعدوى أثناء الحمل، فالأمر يشكل خطورة على الجنين.
لذلك ننصح المرأة المقبلة على الزواج بإجراء اختبار للكشف عن مدى توفرها على مناعة ضد هاتين الإصابتين، ويمكنها أن تتلقى تلقيحا ضد الحميراء في الوقت المناسب، قبل التفكير في الإنجاب، على أن تتجنب حدوث الحمل خلال 3 أشهر الأولى التي تلي يوم تلقي جرعة التلقيح. وبذلك فإنها تضمن الحماية لجنينها من التبعات الخطيرة للسقوط ضحية المرض أثناء الحمل.
وإذا أثبتت التحاليل أن المرأة لا تتمنع بالحصانة ضد التوكسوبلاسموس، فان الطبيب ينصحها بتجنب الأسباب والسلوكيات المساعدة لانتقال العدوى أثناء الحمل، وخاصة تفادي تناول اللحم النيئ وتنظيف الخضر والفواكه بشكل جيد قبل استهلاكها وعدم ملامسة القطط أثناء الحمل لأنها من الحيوانات التي تنقل العدوى.
ومن التدابير التي ينصح بها الطبيب المقبلين على الزواج قيام الفتاة بإجراء تلقيح ضد سرطان عنق الرحم الذي أصبح متوفرا، وبذلك يمكن الحد من ظهور الإصابات بهذا النوع من السرطان الذي ينتج عن فيروس "البابيلوما" المتنقل عبر الاتصال الغير مسموحي، ويتضمن التلقيح 3 جرعات، يجب على المرأة أن تتلقى الجرعة الأولى قبل الزواج أو في أشهره الأولى.
والشهادة الطبية ليست وثيقة شكلية فقط حيث إن الهدف الذي جعل المشرع ينص على لزوم الإدلاء بشهادة طبية تثبت خلو الخطيبين من أمراض معدية، لا يجد تطبيقه على ارض الواقع في العديد من الحالات، حيث يتم التعامل مع الشهادة الطبية كوثيقة شكلية، خاصة وأن المشرع لم يحدد لائحة الأمراض التي يجب الكشف عنها من قبل الطبيب، لذلك يمكن للكشف الطبي إذا تم بهدف الحصول على الشهادة الطبية لإتمام وثائق عقد الزواج أن يقتصر على الفحوصات السريرية، ومن المعروف أن الكشف عن الأمراض المعدية الخطيرة يتطلب الخضوع للتحاليل المختبرية التي قليلا ما يتم اللجوء إليها، وذلك حسب استعداد الخطيبين، ماديا ومعنويا لإجراء هذه التحاليل.
وتؤكد الدكتورة لولوة أن اقتراح الطبيب قيام الخطيبين بالتحاليل المختبرية، يبقى بدون نتيجة حين يواجه بالرفض من طرف أصحاب الشأن، لأن القانون لا يرفض ذلك.