في قرية (العيينة) من قرى (نجد) شمال غرب مدينة الرياض، ولد
(محمد
بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي النجدي) في عام 1115هـ
ونشأ بين أحضان أسرة صالحة، تقتدي في أفعالها برسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وتهتدي بسنته، وكان والده قاضيًا في بلدة العيينة، فقام بتحفيظ ولده
الصغير القرآن الكريم، وعلمه الفقه، فنشأ (محمد) نشأة صالحة، واجتهد في
الدراسة، وأخذ يحفظ كثيرًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كبر اشتاق إلى زيارة بيت الله الحرام، وهناك تتلمذ على بعض علماء
الحرم الشريف، ثم توجه إلى المدينة المنورة، واجتمع بعلمائها وشيوخها
وتعلم على أيديهم، ثم عقد (محمد بن عبد الوهاب) العزم على السفر إلى
(العراق) لطلب العلم.
وفي مدينة (البصرة) كانت بداية دعوته إلى جميع
المسلمين أن يأخذوا دينهم من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ودعا في جرأة العالم المسلم الذي يحاول أن يبعد عن دينه كل ما التصق
به من خرافات ومبتدعات، مما عرضه لثورة بعض علماء البصرة، الذين اجتمعوا
لمحاربته وإيذائه، فخرج حزينًا مهمومًا إلى بلده، فوجد والده قد انتقل إلى
بلدة (حد يملا) فانتقل حيث صار والده، واستقر هناك واشتهر بالتقوى وصدق
التدين، وأخذ يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويطالب الأمراء بتطبيق حدود
الله، ومعاقبة المجرمين الذين يعتدون على الناس بالسلب والنهب والإيذاء،
حتى تآمر عليه بعض خصومه لقتله وللخلاص منه.
وعلم (محمد بن عبد الوهاب)
بنيتهم وغدرهم، فرحل إلى بلدته (العيينة) ورحب به أمير البلدة (عثمان بن
محمد بن معمر) وأكرمه وقال له: قم فادع إلى الله ونحن معك، فأخذ (محمد)
يعلم الناس أمور دينهم، يدعوهم إلى الخير، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن
المنكر حتى اشتهر في بلدته والقرى المجاورة، فجاء إليه الناس يستمعون إليه
ويستفيدون من علمه الواسع، وظل ينير لهم الطريق، ويدعوهم إلى طريق الحق
والنور، وينصحهم بالبعد عن طريق الظلمات، حتى أحبه الناس، والتفوا حوله،
فقوي نفوذ (محمد بن عبد الوهاب) وصار يحكم بين أتباعه وأنصاره بشرع الله.
ولما علم أمير الإحساء بأمر (محمد بن عبد الوهاب) خاف على سلطانه، فسعى لقتله، فانتقل محمد بن عبد الوهاب، إلى بلدة
تسمى
(الدرعية) وكان أميرها (محمد بن سعود) رجلا صالحًا، فألهمه الله أن يذهب
إلى محمد بن عبد الوهاب في منزله بالدرعية، فسلم عليه وقال له: يا شيخ
محمد أبشر بالنصرة، وأبشر بالأمن وأبشر
بالمساعدة، فقال له الشيخ: وأنت
أبشر بالنصرة والتمكين والعافية الحميدة، هذا دين الله، من نصره، نصره
الله، ومن أيده؛ أيده الله فقال:يا شيخ، سأبايعك على دين الله ورسوله،
وعلى الجهاد في سبيل الله، ولكنني أخشى إذا أيدناك ونصرناك وأظهرك الله
على أعداء الإسلام، أن تبتغي غير أرضنا، وأن تنتقل عنا إلى أرض أخرى،
فقال: لا أبايعك على هذا، أبايعك على أن الدم بالدم والهدم بالهدم لا أخرج
من بلادك أبدًا.
وتعاهد الأمير والشيخ على أن ينصرا دين الله، وظل
الشيخ محمد يحاول إزالة الخرافات والأباطيل التي لا يرضاها الإسلام، ومن
ذلك ما انتشر في (نجد) وما حولها من سحرة وكهنة يخدعون الناس، ويدعون أنهم
يعلمون الغيب، كما انتشر فيها بعض المجانين والمعتوهين الذين يدعون أنهم
أولياء الله، بل وجد بها من يعبد الأشجار والأحجار من دون الله عز وجل،
فأخذ الشيخ (محمد) يدعوهم بمساعدة الأمير (محمد بن سعود) إلى دين الله،
ويلقي الدروس في الفقه والتفسير والحديث .. وغير ذلك من العلوم النافعة،
ويرسل إلى أمراء البلدان المجاورة ينصحهم بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله
-صلى الله عليه وسلم- وبتطبيق شرع الله فازدادت شهرة الشيخ في كل بلاد
الإسلام، وتأثر بدعوته أناس كثيرون في الهند، ومصر، وأفغانستان والشام
وغيرها، وتحمل الشيخ الكثير من الأذى، وظل يجاهد في نصرة دين الله بلسانه
أولاً، ثم بسيفه لينصر الحق، ويبطل الباطل، وساعده أنصاره من آل سعود.
واستمر في جهاده أكثر من خمسين عامًا يدعو إلى دين الله، فكان له فضل كبير في عودة الناس إلى الالتزام بشرع الله، والبعد عن
الباطل،
والعودة إلى الحق، فانتشر نور الله في الجزيرة العربية وما حولها وازدحمت
المساجد بتدريس كلام الله والسنة المطهرة، حتى توفي الشيخ في عام 1206هـ،
واستمر أبناؤه وأحفاده وتلاميذه وأنصاره في الدعوة والجهاد، وتحذير الناس
من البدع والخرافات، وما تزال دعوته لها أنصارها ومؤيدوها في جزيرة العرب
وما حولها
حتى اليوم.