موقعة حطين:
كان نصر الله المبين حيث التقت جيوش المسلمين بجيوش الصليبيين في "حطين" وكان ذلك في عام 583هـ/1187م.
لقد جمع الصليبيون عشرين ألف مقاتل جمعوهم من كل دويلات الصليبيين .
واشتبك
الجيشان، وانجلت المعركة عن نصر ساحق لصلاح الدين مع تدمير تام لجيش
أعدائه .لم يكن أمام جيش صلاح الدين بعد معركة حطين إلا أن يتقدم نحو
القدس، وقبل أن يتقدم نحوها استسلم له حصن "طبرية"، وفتح "عكا" واستولى
على "الناصرية" و"قيسارية" و"حيفا" و"صيدا" و"بيروت"، وبعدها اتجه صلاح
الدين إلى القدس.
استرداد القدس:
ولكن الصليبيين تحصنوا بداخلها،
فاتخذ صلاح الدين جبل الزيتون مركزًا لجيوشه، ورمى أسوار المدينة بالحجارة
عن طريق المجانيق التي أمامها، ففر المدافعون، وتقدم المسلمون ينقبون
الأسوار، فاستسلم الفرنجة، وطلبوا الصلح، فقبل صلاح الدين، واتفق الطرفان
على أن يخرج الفرنجة سالمين من المدينة على أن يدفع الرجل عشرة دنانير،
والمرأة خمسة، والصبي دينارين، ووفى المسلمون لهم بهذا الوعد، وكان ضمن من
خرجوا البطريرك الأكبر يحمل أموال البِيَع(الكنائس) وذخائر المساجد التي
كان الصليبيون قد غنموها في فتوحاتهم.
رحمة صلاح الدين:
وفي هذه
الأثناء، قال بعض المسلمين لصلاح الدين : إن هذا البطريرك يقوى بهذا المال
على حرب المسلمين! فأجاب صلاح الدين: الإسلام لا يعرف الغدر، وقد أمّنا
وعلينا الوفاء. وخرج الرجل بهذه الأموال.
ويروى أن مجموعة من النبيلات
والأميرات قلن لصلاح الدين وهن يغادرن بيت المقدس: "أيها السلطان! لقد
مننت علينا بالحياة، ولكن كيف نعيش وأزواجنا وأولادنا في أسرك؟! وإذا كنا
ندع هذه البلاد إلى الأبد فمن سيكون معنا من الرجال للحماية والسعي
والمعاش؟! أيها السلطان! هَبْ لنا أزواجنا وأولادنا، فإنك إن لم تفعل
أسلمتنا للعار والجوع".فتأثر صلاح الدين بذلك، فوهب لهن رجالهن، رحمك الله
يا صلاح الدين، فقد كنت مثالا للرحمة والعفو وحسن الخلق، وكنت مثالا حسنًا
لمبادئ الحضارة الإسلامية وعظمة الإسلام.
فليتقدم البطل الفاتح ليطهر البلاد والعباد من شراذم الصليبيين الذين دنسوا الأرض، واعتدوا على العرض.
وتقدم جيش البطل صلاح الدين بل جيش الإسلام والمسلمين؛ ليستولي على معظم مستعمرات الصليبيين ومناطقهم الهامة .
وقد ساعد على نجاح هذه الحملات أن معظم حاميات الصليبيين لقيت حتفها في حطين .
ويجيء
عام 586هـ/1189م، ولم يَبْقَ في أيدي الصليبيين من كل أرض سوريا وفلسطين
سوى صور وأنطاكية وطرابلس وبعض مدن وقلاع صغيرة مبعثرة هنا وهناك.
والحق
أن هذه الأماكن الساحلية التي استهان المسلمون بها وتركوها في أيدي
الصليبيين كانت سببًا في كثير من المتاعب للدولة الإسلامية بعد ذلك، فقد
تجمع فيها الصليبيون الفارون من الأماكن الأخرى، وقاموا بمهاجمة البلاد
الإسلامية المجاورة، واستولوا على بعضها وساعدوا الحملات الصليبية الثالثة
التي جاءت من الغرب وكبدت المسلمين خسائر فادحة.
ملوك أوربا يقودون الحرب الصليبية:
فقد
كان لهذه الانتصارات وعلى رأسها سقوط القدس صدى مؤلم في أوربا أدى إلى
إثارة الحماس مرة أخري، وتصاعدت صيحات إنقاذ الأراضي المقدسة تتردد في
أرجاء أوربا. واتجهت الكنيسة إلى جمع الضرائب للحروب الصليبية، وشجعت
الناس على الخروج لقتال المسلمين، وأعلن البابا أن من لم يستطع أن يخرج
بنفسه وتبرع بالمال غُفرت له ذنوبه، ثم تطور هذا الأمر إلى إصدار صكوك
الغفران لكل من يتبرع لهذه الحرب، أو يخرج فيها. وتم تعبئة عدد من الحملات
يقودها ملك إنجلترا "ريتشارد" الملقب بقلب الأسد، و"فيليب أوغسطس" ملك
فرنسا، و"فريدريك بربوسا" ملك الألمان.
لقد كانت الحملة التى قادها
فردريك فاشلة، وذلك لأن قائدها نفسه قد غرق في نهر بأرمينية، فعاد معظم
جيشه من حيث أتي، ولم يصل منه إلى الأراضي المقدسة سوى عدد قليل. وهكذا
وقع عبء الحرب على ريتشارد وفيليب.
وقبل وصول هذين الأخيرين، أخذ
الصليبيون يجمعون قواتهم، ويحاولون القيام بعمل مضاد لحركات صلاح الدين..
فوجهوا قواتهم لتحاصر عكا من البر، وأساطيلهم لتحاصرها من البحر، وكان في
استطاعة صلاح الدين أن يقضي على الجيش الصليبي لولا وصول ريتشارد وجيوشه
في ذلك الوقت.
وقد طال الحصار البحري البري مدة عامين كاملين من سنة
(586-588هـ/ 1189-1191م) ضرب فيها الفريقان أسمى أمثلة الشجاعة، وأخيرًا
سقطت عكا في أيدي الصليبيين.
الصليبيون يقتلون الأسري:
وتوصل الجانبان إلى اتفاق يطلق بمقتضاه الصليبيون سراح حامية عكا، شريطة أن يدفع صلاح الدين 200 ألف قطعة ذهبية.
وقد
حدث أن تأخر دفع المبلغ المتفق عليه، فأمر ريتشارد بإعدام كل أسراه،
وعددهم 2700 أسير، وهذه نقطة سوداء في تاريخه، يقابلها من جانب صلاح الدين
نبل عظيم في معاملة أسراه؛ حيث كان يتعامل معهم بالرحمة والتسامح.